بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الغاليات ..
أظنكم تتفقون معي أن هناك أخت تقرأ القرآن كل يوم وتصلي النوافل بعد الفرائض وتستغفر ويتحقق لها كل ما تريد وتعيش سعادة عظيمة .. حتى لو تأخر مرادها في النهاية يأتيها ..
وأخرى أيضا أصبحت تصلي النوافل بعد المحافظة على الفرائض وتقرأ القرآن كل يوم وتستغفر .. ومع هذا لم يتحقق لها مرادها .. فما كان منها إلا أن تشكت هنا وهناك وفتحت المواضيع تندب حظها .. بل وصل بها الشك في صدق وعد الله !! حين قال جل وعلا : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
يا ترى ما الفرق بين الاثنتين ؟
في الظاهر كلهم ســــــــــــواء
لكن ماذا عن الباطن ؟ القلب ؟ النية ؟ هنا الاختلاف ...
أختي الغالية ..
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) ..
فلا تصلي من اجل ان تتزوجي ..
لا تستغفري من اجل ان تحصلي على شيء..
لا تقرأي القرآن من اجل دنيا ..
لا ..... الخ
اذا اردتِ ان تصلي قفي بين يدي ربك وفرغي قلبك من كل شيء واطرحي همومك الدنيوية جانيا وفوضيها الى الله ملك الملوك .. لكن مشكلة الكثير من البنات والناس عموما ، أنهم اذا فزع الواحد منهم الى عمل صالح علّ الله يفرج عنه .. يكون باله مشغول بذلك الهم !!! وهذا هو الخطأ من ناحية نفسية ومن ناحية شرعية ..
أما من ناحية الشرع فهذا لا يجوز بل هو شرك أصغر ..
متى يكون العمل شركاً أصغر ( خفي ) في باب الإرادة والقصد ؟.
العمل إذا عُمل لأجل مصلحة دنيوية يكون شركاً أصغر ( خفي ) إذا توفرت فيه ثلاث شروط :
1 / أن يكون هذا العمل تعبدي .
2 / أن يكون قام به لأجل مصلحة دنيوية .
3 / أن لا يكون هو الغالب على كل أعماله وأحواله
ومن ناحية نفسية الهم والقلق الذي يلازمها حتى وهي في اجل وانفس الاوقات ( تقربها من الله ) ..
أيضا أصبحت تمسك القرآن وتقرأه من أجل الفرج .. لا من أجل أن الله أمرنا بتلاوة كتابه وتعاهده ونهانا عن هجره !!! هل تعلمين ماذا قال ابن عباس - حبر الأمة وعالمها وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه ..؟
قال : ( من لم يختم القرآن كل شهر فقد هجره ) !!!
كذلك نية الاستغفار جعلتها من أجل تحقيق أمر دنيوي .. فهي تستغفر والفكرة التي تريدها مسيطرة على قلبها وذهنها .. بدلا من اسشعار ذنوبها وتقصيرها في جنب الله ...
ماذا لو طبقتِ ما فعلته الاخت الأولى التي يتحقق مرادها وتعيش سعادة عظيمة .. ماذا ستجنين ؟
- ثواااااب عظيم من الله في اي عمل صالح تعملينه
- سعادة وراحة نفسية وطمأنينة ..
- تحقيق مرادك ومبتغاك ..
- القرب من الله ومحبته لك ..
فكيف اذن أحقــــقُ ذلك ؟
إنها النيـــة.. !
القلب هذا الذي في جوفك وجهيه الى الله عز وجل خالق السموات والارض .. تريدين ثوابه ومغفرة ذنوبك .. تريدين الانس والقرب منه .. تريدين ان يحبك ويرضى عنك .. تريدين جنة عرضها السموات والأرض .. اجعلي كل ذلك نيتك .
كيف يكون هذا عمليا ؟؟
امسكي مصحفك واجلسي وليس في قلبك سوى هذه النية - متوكلة على الله - وابدأي عيشي جو روحاني مع كلام الجليل العظيم .. اجعلي هذه الايات تخاطبك بكل ما فيها من احكام ومواعظ وقصص .. لا تجعلي القرآن كأي كتاب الّفه شخص من الناس !!! بل وانتِ تقرأي استشعري ان الله الجبار الكريم العظيم مالك الاسماء الحسنى والصفات العلى يكلمك انتِ الضعيفة المسكينة الفقيرة .. وأنتِ تقرأي اعلمي ان كل اية تعنيك .. وان الله يخاطبك بها ..
صدقيني لن تقرأي صفحة ولا صفحتين .. بل جزء وجزئين ..
وتشعرين باللذة والسعادة التي لا تستطيعي ان تصفيها لأحد .. حتى قال احد السلف : ( لو يعلم الملوك وابناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف ) !!
كذلك الصلاة .. الاستغفار .. الـ ..
احدى الأخوات تقول عندي هموم وامال اود ان تتحقق فأصبحت اجلس من بعد صلاة عصر يوم الجمعة حتى اصلي المغرب اجلس على سجادتي اقرأ القرآن واستغفر واقول اذكار المساء واصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ادعو الله عز وجل .. تقول اشعر ان الوقت طويل لأنني افعل ذلك ليحقق الله لي امالي فيكون نصب عيني ما اريد تحقيقة فأشعر ان الزمن طويل ..
لكن بعد ان صححت نيتي وجعلتها لله تعالى .. والله اني اجلس اقرأ القرآن ( جزئين ) ثم الاذكار والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ادعو الله بما اشاء .. اقسم بالله كأنها عشر دقائق ...
قلت سابقا أن تلك الأخت الثانية يسيطر عليها التفكير في هموما وآمالها .. فإذا شرعت في العبادة لازالت مستصحبة هذه النية في العبادة .. وقلت لك هذا لا يجوز بل هو شرك ..
قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : ( باب : من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا )
في كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد قال كلام أنقل لك نصه: (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا) أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب ويحبط الأعمال وهو أعظم من الرياء لأن مريد الدنيا قد تغلب على إرادته تلك على كثير من عمله وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل ولا يسترسل معه والؤمن يكون حذر من هذا ومن هذا .(انتهى كلامه)
وهنا ايضا فتوى للشيخ /الشيخ العلامة عبدالله بن غنيمان حفظه الله
س4/ إذا عمل العامل عملاً ابتغى به ثواب الله تعالى في الدنيا،مثل حصول طول العمر بصلة الرحم،وسعة الرزق،ولم يرد ثواب الآخرة،ولكنه أيضاً لم يرد ثواب المخلوقين،فهل يعد هنا من الشرك،وهل له ثواب في الآخرة؟
ج4/ من عمل عملاً مما هو عبادة يراد به وجه الله،وليست له رغبة في الآخرة وإنما رغبته ومقصوده ونيته الدنيا،فإن ذلك من الشرك،كما قال تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفِ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}.
وقد عقد شيخ الإسلام ابن عبدالوهاب- رحمه الله-باباً في كتاب التوحيد بقوله: (باب من الشرك:إرادة الإنسان بعمله الدنيا) ،أي أنه يعمل عملاً من الأعمال التي هي مما يراد به وجه الله،أي العبادات،وليست له رغبة في الآخرة،وإنما رغبة في الدنيا فقط،كتحصيل وظيفة أو تحصيل مال،أو تحصيل زوجة،وما أشبه ذلك،ولهذا جاء قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها،فهجرته إلى ما هاجر إليه)) أي ليس له إلا ذلك الذي نواه،وكذلك كونه يصل الرحم لأجل طول العمر فحسب،لأن صلة الرحم قربة يجب ألا يلتفت إلى أمور الدنيا أبداً،ولكن يجب أن تكون أعماله مقصودة بها وجه الله ، ويريد بذلك رضاه والفوز بالجنة،وإذا كان هناك شيء من أمور الدنيا فيجب أن يكون تبعاً ، فإذا كان تبعاً فلا يضره،لأن الله تعالى جل وعلا أخبرنا أن الصحابة الذين قاتلوا يوم أحد،كان منهم من يريد الدنيا كما قال: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} ولكن الباعث على القتال،والخروج هو إعلاء كلمة الله ونصر دينه،والدفاع عنه،ولا يمنع من هذا كونهم ييدون المغنم تبعا، ليس مقصوداً في الأصل ، ولا هو الباعث على العمل الصالح،وإذا كان الإنسان يصل الرحم لأنه يمتثل أمر الله ويلاحظ مع هذا،أنه يكون فيه زيادة عمر فلا بأس بهذا.